{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)}يقول تعالى مخبرًا عما أجابه صاحبه المؤمن، واعظًا له وزاجرًا عما هو فيه من الكفر بالله والاغترار: {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا}؟ وهذا إنكار وتعظيم لما وقع فيه من جحود ربه، الذي خلقه وابتدأ خلق الإنسان من طين وهو آدم، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، كما قال تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 280] أي: كيف تجحَدُون ربكم، ودلالته عليكم ظاهرة جلية، كل أحد يعلمها من نفسه، فإنه ما من أحد من المخلوقات إلا ويعلم أنه كان معدومًا ثم وجد، وليس وجوده من نفسه ولا مستندًا إلى شيء من المخلوقات؛ لأنه بمثابته فعلم إسناد إيجاده إلى خالقه، وهو الله، لا إله إلا هو، خالق كل شيء؛ ولذا قال: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} أي: أنا لا أقول بمقالتك، بل أعترف لله بالربوبية والوحدانية {وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} أي: بل هو الله المعبود وحده لا شريك له.ثم قال: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَدًا} هذا تحضيض وحث على ذلك، أي: هلا إذا أعجبتك حين دخلتها ونظرت إليها حمدت الله على ما أنعم به عليك، وأعطاك من المال والولد ما لم يعطه غيرك، وقلت: {مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ}؛ ولهذا قال بعض السلف: من أعجبه شيء من حاله أو ماله أو ولده أو ماله، فليقل: {مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ} وهذا مأخوذ من هذه الآية الكريمة. وقد روي فيه حديث مرفوع أخرجه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده:حدثنا جَرَّاح بن مَخْلَد، حدثنا عمر بن يونس، حدثنا عيسى بن عَوْن، حدثنا عبد الملك بن زُرَارَة، عن أنس، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو مال أو ولد، فيقول: {مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ} فيرى فيه آفة دون الموت». وكان يتأول هذه الآية: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ}.قال الحافظ أبو الفتح الأزدي: عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنس: لا يصح حديثه.وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة وحجاج، حدثني شعبة، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبيد مولى أبي رُهْم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ لا قوة إلا بالله».تفرد به أحمد.وقد ثبت في الصحيح عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله».وقال الإمام أحمد: حدثنا بكر بن عيسى، حدثنا أبو عَوَانة، عن أبي بَلَج، عن عَمْرو بن ميمون قال: قال أبو هريرة: قال لي نبي الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا هريرة، أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش؟». قال: قلت: نعم، فداك أبي وأمي. قال: «أن تقول لا قوة إلا بالله» قال أبو بَلْج: وأحسب أنه قال: «فإن الله يقول: أسلم عبدي واستسلم». قال: فقلت لعمرو- قال أبو بَلْج: قال عَمْرو: قلت لأبي هريرة: لا حول ولا قوة إلا بالله؟ فقال: لا إنها في سورة الكهف: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ}وقوله: {فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ} أي: في الدار الآخرة {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا} أي: على جنتك في الدنيا التي ظننت أنها لا تبيد ولا تفنى {حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ} قال ابن عباس، والضحاك، وقتادة، ومالك عن الزهري: أي عذابًا من السماء.والظاهر أنه مطر عظيم مزعج، يقلع زرعها وأشجارها؛ ولهذا قال: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} أي: بلقعًا ترابًا أملس، لا يثبت فيه قَدم.وقال ابن عباس: كالجُرز الذي لا ينبت شيئًا.وقوله: {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا} أي: غائرًا في الأرض، وهو ضد النابع الذي يطلب وجه الأرض، فالغائر يطلب أسفلها كما قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30] أي: جار وسائج.وقال هاهنا: {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} والغور: مصدر بمعنى غائر، وهو أبلغ منه، كما قال الشاعر:تَظَلّ جيّادُهُ نَوْحًا عَلَيه *** تُقَلّدُهُ أعنَّتَها صُفُوفابمعنى نائحات عليه.